إن بعض من نرى ونشاهد يعيش في مكان ليس له ، والمفترض أن هذا أو هذه في مكان غير هذا حتى تخرج الطاقات وتبرز الإبداعات.
إن بعض الظروف التي تحيط بنا لن نستطيع تجاوزها بسبب الحال الذي نعيشه ، ولكن - بلا ريب - بعض الظروف التي تحيط بنا يجب أن نتجاوزها ونكسرها بقوة الإرادة والطموح.
إن لدينا لمسة " إبداع " و " رغبة في التميز " ، ولكن يجب تغيير المكان.
أقسم برب الكون أن الواقع الذي نراه ، وما فيه من نجاحات ليس إلا نزراً يسيراً من نتاج الطاقات الموجودة وإلا لو تحرك " النائمون " لعشنا في ثورة الإبداع وسماء التميز.
إن تغيير مكانك من أسرار نجاحك وانتفاع العالم بك ؛ لأن حياتك هي فرصة إبداعك وإضافتك الجديد لمن حولك.
إن إشارتي هذه قد تكون غامضة على البعض ، ولكن المثال يزيل الغموض أو يخففه ؛ فتأمل تدرك:
- ذلك الشاب الذي يعيش في محيط شباب المدرسة ، والحي الذي يسكن فيه قد أهمل طاقته وقتل مواهبه ؛ ولذا كم نرى من شاب غير مكانه -أي غير- صحبته ، فإذا بك تراه حافظًا لكتاب الله ، أو مبدعًا في الحاسب ، أو منتجاً متميزاً لبرامج الفيديو.
- كم من فتاة كانت همومها بين تسريحة وسوق ومقهى ؛ ولكنها لما غيرت مكانها ، والتحقت بـ " دور التحفيظ " أو دورات التميز إذا بها تُخرج لنا أفكارًا تنير دروب نساء الجيل.
- كم من طالب علم يملك حباً كبيراً للعلم ، ولكن بيئته لا تساهم في الارتقاء ، فلما اقتنع بفكرتي وغير مكانه إذا به يُحَصِّل علماً غزيراً وأدباً عزيزاً وذكاءً جديداً.
- وفي ذلك المسجد إمام نائم متكاسل متأخرعن الصناعات الدعوية في مسجده ؛ بسبب أوهام أملاها زملاء العُمر وأصدقاء الماضي ، فلما جلس مع " داعية محترق " ، وزار إماماً متميزاً تغير تماماً ، وانتفض من سباته ، وقام لله ، وخرجت الطاقات ، وظهرت المواهب ، وانتفع الناس به ، وهكذا يكون التغيير.
- وهذا داعية مغمور في بلده ، مهجور في حيِّه ؛ فلما سافر إلى بعض البلاد ليمارس هوايته الدعوية اكتشف أنه مُبدع في الإلقاء ، صبور على الأعباء ، حكيم في القرارات والاستشارات ، وبين جنبيه نفساً تواقةً للمعالي .
- وهذه قصة طالب لم تكن لديه هموم الدعوة ؛ فلما تخرج من الجامعة وتم تعيينه في إحدى القرى اضطر صاحبنا أن يكون هو الإمام والقاضي ورئيس الحلقات ومدير المستودع الخيري ، وظهرت دلائل الصدق والهمة ؛ لأنه غيَّر مكانه ، ولو أنه تعيَّن قرب بيته لم يكتشف ذاته ، ولم ينتفع به سوى أهله ، وهكذا يكون التغيير.
- وكم من امرأة عندها صناعة الحياة ، ولكنها تعيش في أسرة تجيد صناعة التخذيل وتمتلك موهبة الإسقاط ؛ فلما تزوجت تلك المرأة ، وخرجت من ذلك العالَم ؛ تنفّست الهواء، وزاحت الجبال ، وانطلقت الإرادة نحو الحياة ، وتحقق النجاح ، وسارت الهمة نحو القمة.
وهكذا.. غيِّر مكانك .
- كم من موظف ذا راتب قليل ؛ لأن شهادته ضعيفة ، فلما غير مكانه ، وأكمل دراسته ، وسارت سني عمره ؛ وإذ بك تراه ممن يحمل وظيفة عالية أو لعله ممن فاز بلقب (د)، وقد رأيتُ بنفسي غير واحد من هؤلاء ، فعجباً للتغيير؛ كيف يصنع بنا وبغيرنا ؟
وختاماً ، هذه دعوة مني لكل راغب في التجديد ، وصناعة الجديد ، وإضافة المفيد ، لابد أن تغير مكانك.
.
والمقصود ، أن تبحث عن بابٍ آخر فيه متنفسٌ لك لتخرج طاقتك ، وتضع بصمتك ، وليس المعنى أن تهرب من مجتمعك أو تهجر أسرتك أو تهمل وظيفتك.. لا ؛ ولكن المراد هو تغيير المكان أو الصاحب أو الحال ، الذي يؤثر على أكسجين الحياة ، وحينما تجرب سترى أنك " مشروع.. ولكنه متوقف "، وستوقن أنك بناء لم يكتمل.
إذن ، آن الأوان لاكتمال مشروعك ، وحان الوقت لتسير حياتك عبر قاعدة : " غيِّر مكانك " .